“قصة الخير والشر”
هذه القصة القديمة من التراث الفارسي هي مثل تلك الحكايات التي كانت تروي على أسماعنا، ونحن أطفال مألوفةً جدًا، وقريبة من أعماقنا وخيالاتنا. ذُكِرت هذه القصة في منظومة الشاعر نظامي الكنجوي” وتعرف أيضًا باسم القباب السبع” وأعاد كتابها مهدي آذر يزدي بما تتناسب مع لغة العصر الحديثة. اشتهر يزدي بكتابة قصص الأطفال المبنيّة على قصص قديمة بأسلوب فريد، كما أنه يعتبر من أبرز الكتّاب المميزين في أدب الطفل.
وكأي بداية لقصة قديمة سأقول: كان يا مكان، وقبل مئات السنين، كانا هناك صديقين الخير والشر. منذ البداية، الخير دائمًا يفعل الأعمال الصالحة، ويصاحب الناس الطيبين، ولكن صديقه الشر عكس ذلك، فكان يسعى دائمًا إلى إيذاء الآخرين. ومع مرور الزمن كَبُرَ كلاهما، فكان للشر علاقات كثيرة مع الناس، أما الخير فلم يكن كذلك. وفي أحد الأيام قرر الخيرٌ الذهاب في رحلة، فباع جميع ممتلكاته، واشترى مقابلها جوهرتين، وعندما سمع الشر ذلك قرر أن يغادر معه في تلك الرحلة.
سافرا معًا، وفي أثناء الطريق الشر يخفي طعامه ومائه، ويستخدم طعام وماء الخير، وبعد مرور الأيام نفد طعامُ الخير ومائه، فأخذ الشر يأكل من طعامه ويشرب سرًا، ولم يعط الخير شيئًا معه.
فهم الخير ذلك الأمر، ولكنه لم يقل له شيئاً حتى أصابه العطش الشديد، فقال للشر :« أعطيني بعض الماء، إما من باب الرحمة أو مقابل الجوهرتين التي أمتلكهما.» لكن الشر كان شخصًا سيئًا فقال له: «إذا حقًا تريد الماء يجب عليك في المقابل أن تعطيني عينيك الاثنتين.» حاول الخير نصحه إلا أنه لم يقبل ذلك، لم يمنح الشر إلى الخير أي فرصة لينهي حديثه، فأصاب بقطعة حديد في يديه عينيّ الخير، وامتلأت العينان بالدماء صرخ الخير من شدة الألم الذي في عينيه:« آه يا الله» ووقع مغشياً عليه على الأرض. الشر الذي لا يعرف الله أخذ الملابس وأيضاً المجوهرات التي في حقيبة الخير ومضى في طريقه دون أن يعطيه الماء.
لحسن حظ الخير، هناك فتاة كردية قادمة لجلب الماء بالقرب منه فأنقذته. قال والد العائلة الذي رأى الوضع: «عندما أرعى أذهب تحت تلك الشجرة، فإن ماء أوراقها دواء للصرع، ودهنها دواء لعمى البصر.» في نفس اللحظة قاموا بتحضير أوراق تلك الشجرة، ووضعوا الدهن على عينيه، وبعد مرور خمسة أيام أزالوا الدهن وقد شفيت عينا الخير. کان الخير يساعد تلك العائلة في أعمالهم تعبيراً عن شكره لهم. ومع الوقت أحبوا الخير، وزاد حبُّ الخير لابنتهم وقل صبره، ولكنه يخجل من أن يقول ذلك؛ لأنه ليس لديه المال الكافي، وأيضًا لا يملك المكانة الرفيعة، ولكن والد العائلة فهم نية قلبه وزوج ابنته له. بعد برهة من الزمن أرادوا الانتقال، ولكن الخير قبل الرحيل، ذهب إلى أسفل الشجرة وجمع الأوراق في كيسين من أجل علاج الناس. وصلوا إلى مدينة كانت فيها ابنة الملك مصابةً بالصرع، ولم يتمكن أيِّ طبيب من علاجها، وعندما سمع الخير ذلك قال:« أرسلوا خبرًا بأنني أستطيع علاج تلك الفتاة.» عالج الخير الفتاة، وكان الملك سعيدًا جدًا. وصل الخبر إلى وزيره وكانت ابنته مريضة أيضًا فعالجها الخير.
أشاد الملك والوزير على الخير كثيرًا فقال له الملك:« أنا أريد أن تكون مستشاري وشريكي وأن تحظى مدينتا من خيرك.» وبعد ذلك بقي الخير في تلك المدينة ويومًا بعد يوم أصبح يزداد محبًة واحترامًا. وفي يومٍ ما لاحظ الخير وجود الشر في تلك المدينة، وأمر باستدعائه. لم يتعرف عليه الشر حين رآه في البداية، وكان قد غير اسمه. ولكن الخير فضحه فأخذ الشر يتوسل أمام الجميع أن يترك حياتَه وأن يسامحه فقال: «لقد تغيرت، ولم أعد إنسانًا سيئًا.»
قال له الخير: «نعم، أستطيع قتلك، ولكنّي لن أقتلك، أستطيع أن أقتص من شرك، ولكنّي لن أفعل، فأنا أسامحك، أما عملك الذّي لا يغتفر سيجعلك تعاني وتخجل من نفسك حتى آخر يوم في حياتك. أردت فقط أن تعرف هذا، لم يعد لدي أي عمل معك ولكن من الأفضل لك مغادرة هذه المدينة، فهذه الزيارة كافيةُ؛ لأن تلقنك درسًا، لا أريد رؤيتك بعد الآن.»
بينما الشر يمشي كان يراقبه أحدَ أتباع الخير، فضربه وأحضر المجوهرات إلى الخير. فقال الخير : « المال الحلال يعود إلى صاحبه.» كانت طريقة الخير في الحياة :« كن طيبًا مع الجميع، ولا تكن سيئًا مع أي أحد.»
مهدي آذر يزدي
ترجمة وتلخيص : أبرار عبدالرزاق